كيف يبتكر الذكاء الاصطناعي أدوية تعالج أمراض لم يكن لها علاج؟ ثورة طبية حقيقية

كيف غيّر الذكاء الاصطناعي مستقبل الطب والصيدلة؟ اكتشف كيف تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في ابتكار وتطوير أدوية جديدة، وتسريع تقييمها من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، وأمثلة واقعية على عقاقير صُممت عبر الذكاء الاصطناعي.

كيف يبتكر الذكاء الاصطناعي أدوية تعالج أمراض لم يكن لها علاج؟ ثورة طبية حقيقية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب والصيدلة: من التشخيص إلى الابتكار العلاجي


كيف غيّر الذكاء الاصطناعي مستقبل الطب والصيدلة: من تطبيقات الكتابة إلى ابتكار أدوية تعالج أمراض مستعصية

في عام 2023، تصدّرت منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وMidjourney المشهد الإعلامي، بوصفها أدوات قادرة على الرسم، وصناعة المحتوى، والتصميم. ولكن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه اليوم: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُبتكر دواءً جديدًا؟ بل أكثر من ذلك، هل يستطيع أن يُحدث ثورة في الطب والصيدلة؟

الإجابة جاءت من قلب المختبرات العلمية. فقد أثبتت أبحاث جديدة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي – أو كما يُطلق عليها البعض ذكاء اصطناعي – لا تقتصر على توليد النصوص أو الصور، بل باتت تدخل في عمق العمليات المعقدة مثل تطوير الأدوية وابتكار عقاقير جديدة، وهي مجالات كانت حتى وقت قريب حكرًا على التجارب المخبرية طويلة الأمد.

ما هو الذكاء الاصطناعي في الطب؟

الذكاء الاصطناعي في الطب يشير إلى استخدام الخوارزميات والنماذج الحسابية لتسريع عمليات التشخيص، تصميم خطط العلاج، وحتى تطوير دواء من الصفر، وهي عملية تُعرف بـ De Novo Drug Design. ويُعد هذا أحد أعقد فروع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب، حيث يتم تدريب الأنظمة على فهم سلوك الجزيئات الكيميائية وقدرتها على استهداف البروتينات المسببة للأمراض.

منصة DurgAI: الذكاء الاصطناعي يدخل الصيدلية

في جامعة شابمان بولاية كاليفورنيا، أنشأ علماء مركز شيد كوليدج للعلوم والتكنولوجيا نموذجًا ذكائيًا ثوريًا يُعرف باسم DurgAI. تعتمد هذه المنصة على تقنيات متقدمة في الذكاء الاصطناعي، مثل هندسة Encoder-Decoder Transformer وتقنيات التعليم التعزيزي باستخدام شجرة مونتي كارلو. وتم تدريب المنصة على قواعد بيانات ضخمة مثل BindingDB لتحديد أفضل التركيبات الجزيئية الممكنة.

وما يُميّز هذه المنصة أنها لا تقوم فقط بتوليد تراكيب كيميائية جديدة، بل تقيّم فعالية كل مركب مقترح بناءً على قدرته على مهاجمة البروتينات المسببة للأمراض. في التجارب الأولية، نجحت DurgAI في إنتاج ما بين 50 و100 مركب دوائي جديد، بعضها يُظهر فعالية عالية ضد بروتينات مرتبطة بأمراض خطيرة مثل السرطان.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصيدلة

تشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصيدلة تحليل التفاعلات الدوائية، تسريع مراحل التجارب السريرية، وتقليل التكلفة والوقت اللازمين لاختبار الأدوية. أما في مجال ابتكار دواء جديد، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي يوفّر نماذج أولية دقيقة، ما يُسرّع من إمكانية الحصول على علاج فعّال خلال أشهر بدلاً من سنوات.

من الذكاء الاصطناعي إلى رفوف الصيدليات

أشار الباحثون إلى أن بعض الأدوية التي طوّرتها منصة DurgAI دخلت بالفعل مراحل الاختبار السريري، وأظهرت نتائج مبهرة. وبذلك، يمكن القول إننا أمام تحول جذري في كيفية تطوير أدوية المستقبل.

أمثلة على أدوية تم تطويرها باستخدام الذكاء الاصطناعي

بدأت بعض الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا الحيوية والصيدلة بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية، وظهرت أولى النتائج الفعلية في السوق. على سبيل المثال، طوّرت شركة Exscientia بالتعاون مع Sumitomo Pharma دواءً يُعرف باسم DSP-1181، وهو علاج تجريبي للاضطراب الوسواسي القهري (OCD)، وتم تطويره باستخدام الذكاء الاصطناعي خلال أقل من 12 شهرًا فقط، مقارنة بمدة تتراوح بين 4 إلى 6 سنوات في الطرق التقليدية. كذلك، استخدمت شركة Insilico Medicine الذكاء الاصطناعي في ابتكار مركب دوائي يُستهدف لعلاج التليف الرئوي، وقد دخل المراحل السريرية بنجاح. تعكس هذه الأمثلة قدرة الذكاء الاصطناعي على ابتكار أدوية بسرعة وكفاءة أعلى، مما يفتح آفاقًا جديدة في تطوير دواء مخصص ودقيق يستهدف المرض من جذوره. إن اعتماد الذكاء الاصطناعي في الصيدلة لم يعد مجرد تجربة بحثية، بل أصبح أداة أساسية في ابتكار أدوية جديدة وتقديم علاجات أكثر فعالية وأمانًا.

كيف تستخدم هيئة الغذاء والدواء الأمريكية الذكاء الاصطناعي في تسريع تقييم الأدوية؟

في ظل التقدّم السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب والصيدلة، بدأت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات تقييم وتسجيل الأدوية الجديدة. تهدف الهيئة من هذا التوجه إلى تقليص الزمن اللازم لتحليل البيانات السريرية ومراجعة مستندات الجودة والسلامة والفعالية. ومن خلال استخدام أدوات تعتمد على التعلم الآلي (Machine Learning)، بات بإمكان الهيئة تحليل آلاف الصفحات من بيانات التجارب السريرية في وقت قياسي، مما يسهم في تسريع عملية الموافقة على الأدوية دون المساس بجودة التقييم.

كما تستخدم الـ FDA نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة للتنبؤ بالمخاطر المحتملة للعقاقير قبل دخولها السوق، واستشراف آثارها الجانبية بناءً على الأنماط البيانية السابقة. وقد تم اختبار هذه النماذج في تقييم عدد من الأدوية المطوّرة بتقنية الذكاء الاصطناعي، مما يدل على تكامل الأدوار بين الهيئات التنظيمية والمطورين لتقديم علاجات جديدة بسرعة أكبر وفعالية أعلى. هذا النهج يعزز من مكانة الذكاء الاصطناعي كأداة تنظيمية بالإضافة إلى دوره كمحرك لتطوير الأدوية.